أسلوب الحياة

خالد دومة يكتب: فقر الأغنياء


 


إنك لا تتعجب أكثر مما تتعجب إلا من هؤلاء الذين يقطعون أنفاسهم, لهثا وراء المال، فلا يتركون طريق، ولا سبيلا إلا سلكوه، بحثا وتنقيا عن زيادة ثرواتهم، وهم يملكون الملايين، من الأموال والأراضي والعقارات، فلا يطوفون إلا حولها، يتعبدون في محرابها، ويقيمون حياتهم في إطارها، فلا حركة ولا خطوة، إلا أن يكون لها نصيب من المصلحة، وما عدا ذلك فهو الجمود والكمون التام حتى حين، حتى في عبادتهم يذهب أحدهم للصلاة، لا حبا، ولا طمأنينة، إنما هو رصيد، ليسترده يوم القيامة أضعاف مضاعفة، فلا تجود يده بجنيه، إلا لأنه يعلم أن الله سوف ينميه له، ويهبه له مئات الجنيهات، ولولا ذلك لما قدمت يديه صدقة، ولا أمتدت بمال، لا يعرف قلبه الرحمة الإنسانية، ولا العطف على بني الإنسان، إنما هي المصلحة، أينما كانت يدور في فلكها، ويسبح بحمدها، ويخاصم ويصالح، ويقوم ويقعد، ويداهن وينافق من أجلها، علمت أحدهم وأختلط به، ولم أرى له قلبا، قد طمسه حب المال، وطغى على كل جارحة فيه، فلم يترك له عقلا ولا قلب، وإنما يستمد مكانته من ماله، فهو رجل مطموس البصيرة، لا يقدم له فروض الولاء، والطاعة, إلا منافق من عبيد المال من أمثاله, فيلتفون حوله, ويعظمونه ويبجلونه, لعله يعطيهم، من المال نظير ما يهبونه من كلام كاذب، فأمثال هؤلاء الناس من الأغنياء هم أشد الناس فقرا في فضائل النفوس، وفي الصفا الإنسانية، التي تعلو بالإنسان, فنصيبهم من الرحمة والصدق والأمانة ضئيل للغاية, فلا رحمة تحملها صدورهم الجرداء, ولا صدق على ألسنتهم الجوفاء، ولا أمانة ولا ضمير، هم أغنياء مال، فقراء من مقومات الحياة والنفوس، لا تسمع سوى صدى كلمات، تتردد على ذواتهم المخدوعة، وكأن الله أنتزع منهم، بقدر ما أعطىـ ما يتمنونه ويلهثون وراءه، أنتزع من نفوسهم الحب والرحمة والشعور، فلا مجال لمقارنة المال، بالشعور والعقل والقلب والبصيرة، فقد حرمهم الله من الرؤية، فلا يرون إلا كل ما خسيس، عيونهم مثبتة على القبح، فلا جمال، القبح الصادر من ذواتهم ودواخلهم، ويفوح برائحته العفنةـ ما مات في بطونهم.


 


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى